تابعنا

مقال :حتى تنجح المصالحة!

حتى تنجح المصالحة! 


أخيراً وبعد طول انتظار انطلق قطار المصالحة الفلسطينية من مخيم الشاطئ للاجئين ليدوس أماني المتربصين بشعبنا وقضيتنا باستمرار الانقسام البغيض في الساحة الفلسطينية، وليحطم أوهام المراهنين على تفتيت أوصال شعبنا بما يفتح لهم المجال لاستباحة المقدسات ونهب الأرض وقتل الإنسان؛ فالمصالحة التي تأخرت كثيراً ينبغي الشروع في تطبيقها بسرعة تحول دون ترك المجال لمن يرغب بالتسلل لوضع العراقيل والعقبات والمطبات في طريق إبصارها النور.
إن الإعلام الفلسطيني الذي برع في فضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي وسطر بطولات في تغطية عدواني الفرقان وحجارة السجيل خلال السنوات الأخيرة، مدعو اليوم للتباري في بث الأمل ومحاربة الإحباط واليأس، ومطالب بعدم نبش الماضي الأليم، فضلاً عن الدفع باتجاه المضي بخطى واثقة نحو المستقبل واجتياز العقبات المتوقعة ومساندة طرفي الانقسام على تجاوزها، وليس التهليل لها وتضخيمها، فهذا أقل الواجب.
لقد أرهقت سنوات الانقسام البغيض شعبنا الفلسطيني في الداخل والشتات، ودفع الجميع فاتورة باهظة جداً للانقسام، وآن الأوان لاستعادة البوصلة من جديد لنتوحد في مواجهة مشاريع الاستيطان اليهودي ومخططات تهويد مدينة القدس المحتلة والتصدي كذلك لحصار قطاع غزة الذي مس أدق تفاصيل الحياة وجرع أهالي القطاع مرارة قضت على كثير من براعمهم البريئة خلال سنوات الانقسام الأليمة.
إن المسؤولية الوطنية والأخلاقية تقتضي من الجميع فصائل ومنظمات ومؤسسات ومواطنين الارتقاء لمستوى التحديات الراهنة التي تتهدد القضية الفلسطينية , في ظل انشغال المحيط الدولي والإقليمي بصراعات دامية أتاحت المجال للاحتلال الإسرائيلي للاستفراد بشعبنا وقضيتنا، كما تقتضي الدفع باتجاه إنجاح المصالحة الوطنية بكل الجهود الممكنة وتسخير كل الطاقات في سبيل تخطي العراقيل المنتظرة، فكما يقول المثل: "الشيطان يكمن في التفاصيل"، ولا سبيل لتجاوز ذلك إلا بإخلاص النوايا وصدق الإرادة وتوفر العزيمة لتحقيق المصالحة.
ومما لا شك فيه أن المخاوف من إمكانية فشل المصالحة مشروعة في ظل التجارب السابقة وتراكمات سنوات الانقسام، لكن ذلك لا ينبغي أن يقف سداً منيعاً في وجه قطار المصالحة، وحري ألا تشهر سيوف التشكيك في النوايا وألا يستغل تعثر هنا وآخر هناك لتعكير الأجواء المنشودة لتحقيق المصالحة، وليكن شعار المرحلة: "قل خيراً أو لتصمت"، وعلى قاعدة "تفاءلوا بالخير تجدوه" ينبغي الاستبشار بالمرحلة القادمة دون إفراط أو تفريط، فلا يعني ذلك أن الأيام القادمة عنوانها الرخاء والهدوء وغير ذلك من الأماني، بل يعني أن المرحلة القادمة شعارها توحيد الجهود واستثمار كل الطاقات في سبيل تحقيق وإنجاز المشروع الوطني بدحر الاحتلال الإسرائيلي بدلاً من هدرها في مناكفات لا طائل منها.
إن الآمال كبيرة وعريضة بطي صفحة الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية التي تتطلب من الجميع مفارقة الحسابات الحزبية والخاصة، واستحضار مستقبل فلسطين وأجيالها وقضيتها، فعندها تهون التضحيات والتنازلات إكراماً لأرواح الشهداء الأبرار الذين قضوا على درب الاستقلال وللأسرى البواسل القابعين في سجون الاحتلال يرقبون فجر الحرية بشغف كبير.

السابق
المشاركة السابقة
شكرا لك ولمرورك

مواضيع عشوائية